يونس من وحي القرآن والسنة

إن هذا المؤلف الموسوعي يتناول البحث في قصة يونس - صلى الله عليه وسلم - وقد تناولنا فيه مجموعة من القضايا التي لم تكن موضع اتفاق في الرؤى من خلال فهم النص القرآني، وقد وقفنا على معظم ما قيل من آراء واجتهادات من اسمه بداية إلى أن آمن قومه أجمعين. وكان مفتتح مؤلفنا عن يونس - صلى الله عليه وسلم - بجملة من صفاته التي خصه الله - تعالى - بها، من النبوة والرسالة والاجتباء وصحبة الحوت، وما لهذه المفردات من الدلالة التي تحملها كل صفة بما يتصف بها حاملها. فيونس - عليه الصلاة والسلام  - نبي لقوم محددين يسكنون مدينة نينوى بالموصل العراقية، وسمي يونس ابن متى بذى النوْن (الحوت أو صاحب الحوت)، وعدد الشعب الذي أرسل إليهم نبي الله يونس ابن متى يزيدون عن مائة ألف، وجميعهم كافرون كونهم يعبدون ما يعبد من دون الله.

حاول النبي يونس - عليه السلام - ما استطاع إليه سبيلا أن يدعوهم إلى التوحيد وترك ما يعبدون من أصنام شركا بالله - تعالى - ولكن قد صعب الأمر عليه؛ فلم يؤمن معه أحد منهم؛ وهكذا كانت العصبية على الكفر؛ فهم قوم تعصبوا جميعا على أن لا يؤمنوا بما يهدي إليه ذو النون - عليه السلام - وهذا الأمر استغضب النبي المكلف بالتبشير والدعوة؛ فغضب منهم جميعا كونهم جميعا لم يؤمنوا؛ ومع ذلك أعطاهم الفرصة ثلاثة أيام، وهو كما يراها للضرورة إنذار؛ فكان الإنذار ثلاثة (أيام الإيمان أو العذاب الشديد) من الشديد الأعظم - جل جلاله - تركهم وقرر الهجرة بدينه لعله يجد قوما يؤمنون بالحق الذي بسبب التمسك به غضب يونس ممن لم يأخذ به؛ فتوجه إلى البحر مهاجرا ليبلغ دين الله - عز وجل - أينما وجد في المعمورة من يستمع إليه ويأخذ بما أنبأه الله إن مسألة المغاضبة من أهم القضايا التي ركز عليها البحث من أجل الوصول إلى حقيقة الفعل والتمييز بين الغضب والمغاضبة، ووجدنا أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يغاضب ربه ولم يغضب، ولم يقل الله - تعالى - أنه ذهب مغاضبا ربه، فمن زاد هذه الزيادة كان قائلا على الله الكذب وزائدا في القرآن ما ليس فيه، وهذا ما لا يجوز، فهو إنما غاضب قومه، وهذا لم يوافق مراد الله - تعالى - في مشيئته، وإن كان يونس - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد بذلك إلا إرضاء الله - عز وجل - فإن وقع منه ذلك فهو بغير قصد؛ فقد أراد به وجه الله، فلم يوافق ذلك مشيئته - تعالى - فكان خلاف مراد الله - جل وعلا -