عيسى من وحي القرآن والسنة

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وعلى من اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

وبعد لا يزال الحديث عن سيدنا المسيح عيسى ابن مريم يتجدد كل يوم، ولا تزال الأفكار يحتدم جدلها ما بين باحث عن حق يقين وآخر مدافع عن ضلال مبين، وفي هذا الوسط وعلى درجة من التأني والروية وبمستويات الاعتراف والتقدير والاحترام للآخر ارتأينا البحث في سيرة سيدنا عيسى ابن مريم وقضايا رسالته الفكرية والعقدية وما أثارته من جدل في مسائلها بين الباحثين، وكذلك قضايا من معه من الأنبياء والصديقين والحواريين.

ولا نغالي إذا قلنا إننا نهجنا منهجا تحليليا شموليا في النظر بكل القضايا، فما تركنا شيئا في موثوقاتنا المعرفية إلا وتناولناه بالعرض والتحليل

وقد يسألنا سائل ما هي موثوقاتكم المعرفية؟

نقول:

إن البحث الجاد عن الحقيقة أولى له أن يترك كل ما لا يعقل أو يدحض أو ما ينفي بما هو أقوى منه إلى ما يحصل معه التسليم. فكان القرآن الكريم المصدر الرئيس لموضوع بحثنا، وهنا لابد من الإشارة إلى أن اعتمادنا النص القرآني لما فيه من قوة الحجة ورسوخها، ولا يخفي على من يقرأ عن عيسى - صلى الله عليه وسلم - أهمية البحث في سيرته - صلى الله عليه وسلم - ذلك أن متغيرات رئيسة حدثت معه في البدء والانتهاء، ففي الخلق حدث أن خلق مغايرة لجميع البشر من أم ومن غير أب فغايرت آية خلقه حتى خلق آدم الذي خلق من غير أم ومن غير أب، وفي الانتهاءرفع عيسى إلى السماء، وكانت نهاية أراد الله أن تكون مغايرة لنهايات جميع خلقه فيما نعرف، ذلك أدى إلى أن تتوه الأفكار التائهة التي لا تستند في معارفها على موطئ صلب، وفي مقابل ذلك ازداد المؤمنون إيمانا بربهم وزادهم من عنده هدى.

وتناول هذا البحث عددا من القضايا المهمة منها خلق عيسى الذي كان من أكثر القضايا المختلف عليها بين الباحثين، وذلك لعدم قدرة بعض الباحثين من الماديين على قبول حقيقة أن عيسى ولد من أم ومن غير أب بأمر الله عز وجل متناسين أن آدم وهو أب للبشرية كله خلق من غير أم وأب، وهذا هو المنطلق الفكري الذي انطلقا منه في عرض هذا الموضوع.

كما فصلنا في رسالة عيسى، وكتابه (الإنجيل) وميثاقه، ووصية الله له، وخصوصية الجعل في عيسى، وادعاءات الثالوث والبنوة والشرك، وتمت مناقشة هذه القضايا مناقشة مستفيضة بكل ما نعتقد من حجة ومنهج، وذلك لأن هذه القضايا من الخطورة والأهمية بمكان يلزمنا البحث فيها.

ومن جانب آخر فإن رسالة عيسى عاصرها عدد من الأنبياء هم زكريا ويحيى والصديقة مريم والحواريين أخلصوا ما أوحى الله لهم فنصروا دين الله ورسوله عيسى - صلى الله عليه وسلم - فكان لكل هؤلاء مكان في هذا الكتاب.