شعيب من وحي القرآن والسنة

شعيب - عليه السلام - هو رسول الله لأهل مدين، وكان يعرف بخطيب الأنبياء، وأهل مدين هم عرب، ويسكنون أرض (معان) في الأردن قريبا من قرى لوط - عليه السلام - وفي عهد شعيب - عليه السلام - ظهر في مدين قوم يعبدون الأيكة، وهنا قال ابن كثير: "كان أهل مدين كفارا يقطعون السبيل، ويخيفون المارة، ويعبدون الأيكة، وهي الشجرة من الأيك، حولها غيضة ملتفة بها، وكانوا من أسوأ  الناس معاملة، يبخسون المكيال والميزان، ويطففون فيما يأخذون بالزائد، ويدفعون بالناقص؛ فبعث الله فيهم رجلا منهم، وهو رسول الله شعيب - عليه السلام - فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونهاهم عن بخس الناس أشياءهم، وإخافتهم في سبلهم وطرقاتهم، فآمن به بعضهم، وكفر أكثرهم، حتى أحل الله بهم البأس الشديد" ويقال أن مدينة مدين التي بعث إليها شعيب نبيا قد كانت من القرى المزدهرة في التجارة، ولكن الحياة الدنيا غرت القوم؛ فكانوا يبخسون في المكيال والميزان ويطففون فيهما، ويأكلون المال الحرام، ويقطعون الطرق، ويعترضون القوافل، ويشيعون في الأرض فسادا وظلما. ومن علامات طغيانهم أنهم لم يكتفوا فقط بالجحود والتكبر  والعصيان وإنكار نعم الله - عز وجل - وإيذاء شعيب - عليه السلام - بل إنهم سألو شعيبا أن يطلب من الذين آمنوا أن يتركوا الدين والعبادة حتى يؤمنوا بالله، ولكن شعيبا لا يساوم في دين الله - جل جلاله - فكفر أكثرهم وآمن القليل منهم، فتطاول عليه من كفر به وبرسالته، فهددوا شعيبا بالقتل لولا شأن قبيلته - عليه السلام - مما استوجب غضب الله - سبحانه وتعالى - فأنزل الله بهم أنواعا من العذاب، حيث أصابهم حر شديد، ومنع الله عنهم هبوب الرياح، ولم ينفعهم ماء ولا ظل، فتركوا بيوتهم وما يمتلكون وفروا حيث لا فرار ينجيهم من غضب الله - جل جلاله - وفي تلك البادية التي فروا إليها أظلتهم سحابة سوداء، فاجتمعوا حولها ليستظلوا تحتها، فلما اكتمل عددهم، أرسلها ترميهم بشهب وشرار، واهتزت بهم الأرض، ونزلت عليهم صيحة من السماء فأزهقت وأهلكت الأرواح، وفي المقابل أنجى الله شعيبا ومن معه من المؤمنين لقد برز في قصة شعيب أن الدين ليس قضية توحيد وألوهية فقط، بل هو أسلوب لحياة الناس أيضا،  شعيب - عليه السلام - بعد الدعوة إلى التوحيد بدأ ينبه على ما يخالف أمر الله العادل؛ فكانت دعوته حل للمشكلات الاقتصادية كما يعرفها الاقتصاديون في هذا العصر. ومن هنا كانت قضية المعاملات الاقتصادية والأخلاقية محيرة لنبي الله شعيب، لما فيها من مظالم ومفاسد وآلام حيث كان القوم ينقصون المكيال والميزان، ويظلمون الناس؛ فالناس سادت الرذيلة بينهم وهي - لا شك - تمس المروءة والشرف، ذلك لأن أهل مدين كانوا يعتبرون بخس الناس أشياءهم نوعا من أنواع المهارة في البيع والشراء.