محمد صلى الله عليه وسلم من وحي القرآن والسنة

كان ميلاد محمد - صلى الله عليه وسلم -  بشرى إنسانية وربانية، ومع ذلك فقد ضاقت بعض الأنفس من ميلاده كونه نبيا ولا نبي من بعده، رسولا ولا رسول من بعده، وأن رسالته الإسلام ناسخة لكل الرسالات السابقة، وهي حافظة لما ترشد إليه من مواعظ وعبر وحلول. فعن حسان بن ثابت، قال والله إني لغلام يفعة ابن ثمان سنين أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته: يا معشر اليهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له: ويلك ما لك؟ قال طلع الليلة نجم أحمد.

ولما ولد محمد - صلى الله عليه وسلم -، في ذلك اليوم، قالت أمه آمنة، لقد أضاء نور إلى السماء رأيت في ذلك النور قصور الشام، إنه نور من نور الله.

والنور اسم ضياء وجمال تستبشر به الخلائق وترضى، تشد إليه ولا تطمئن إلا به سبحانه ينير الأنفس كما ينير الدروب، من نوره تشرق الشمس وتتلألأ السماء بنوره ويضيء القمر، وبالنور يهتدي العباد إلى التي هي أحسن ولهذا؛ فالنور حسن يستمد من الكلمة التي تنير القلوب، ومن الآيات العظام للنور المطلق، والنور المطلق لا يرى في ذاته، ولكن يستمد من آياته، فالنور ليس كمثله شيء، ولهذا فالله الذي ليس كمثله شيء هو نور السماوات والأرض قال تعالى (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ولد محمد نورا من نور الله (النور الأعظم) فكفله جده عبد المطلب رعاية وعناية مع حب رفيع، ولما بلغ محمد السادسة من عمره ذهبت به أمه إلى يثرب لزيارة أخواله من بني النجار ومعها حاضنته أم أيمن، وفي طريق العودة ماتت أمه في مكان يسمى (الأبواء) بين مكة ويثرب؛ فرجعت به أم أيمن إلى مكة فكان الكفيل كفيلا (جده عبد المطلب).

بقي في كفالة عبد المطلب حتى وفاته، وقد أوصى عبد المطلب من بعده ولده أبا طالب بحفظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام، وكان يحبه حبا لطيفا.

بعث محمد أذن خير يستمع إلى الناس (الكافة) ليجيبهم بما أمر الله - تعالى - به لعلهم يهتدون ،ويكونون على الحق أخوة متحابين في الله، فكان لهم أسوة حسنة فاقتدى به المؤمنون قولا وفعلا وعملا وسلوكا، فكان الصالحون منهم خليفة يرثون الأرض وهم مصلحون لا مفسدون ولا سافكي دماء فيها بغير حق، وامتحن الله قلوبهم وهم يغضون أصواتهم عنده للتقوى فجازاهم مغفرة وأجرا عظيما، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ).