الخدمةُ الاجتماعيَّة النَّاهضة (مفاهيم ومصطلحات)

المقدِّمةُ

إنَّ موسوعة مهنة الخدمة الاجتماعيَّة النَّاهضة ذات مرامي موضوعيَّة في أثناء عمليَّة الدِّراسة، من إجراء المقابلات مع العملاء والمبحوثين، إلى استيفاء المعلومات من مصادرها وميادين بحثها، ثمَّ تحليها بعد فرز متغيِّراتها الرَّئيسة والتَّابعة والمتداخلة والدّخيلة، ثمَّ تشخيص الحالة من بعدها بعد معرفة علل ظهورها والأسباب التي كانت من خلف ظهورها حالة تتطلَّب الدِّراسة والبحث، وبهذا الجهد العلمي بحثًا يتمكّن الباحث أو الأخصائي الاجتماعي النَّاهض مهنيًّا من الوصول إلى نتائج موضوعيَّة منها تُستمد التفسيرات المنطقيَّة كما تستمد الحلول والمعالجات، ومنها يُرشد إلى النُّهوض والرّفعة.

هذا الجهد الموسوعي حصيلة سنوات من البحث، أخذت الليل مع النَّهار بحثًا متواصلًا؛ حيث كنت أنام السَّبعة ساعات؛ لكي أصحى من جديد لتناول وجبة الإفطار مع الكتابة، ومن بعدها استمرارًا كنت اتناول الوجبة الرَّئيسة في ذات المكان مع البحث نُزهة، ومع ذلك كنت في أثناء البحث اشعر بمزيدٍ من الحيويَّة، وبخاصَّة عندما أتمكن من توليد فكرة جديدة مضافة إلى الفكرة الرَّئيسة.

إنَّ مهنة الخدمة الاجتماعيَّة النَّاهضة مع أنَّها ذات الصِّفة الاجتماعيَّة، فإنَّ فلسفتها، وقواعدها، ومبادئها، وأهدافها إنسانيَّة؛ إذ أنَّها لا ترى الإنسان إلَّا قيمة ثمينة يستوجب الحفاظ عليه قيمة؛ ولذلك نقول:

ـ إنَّها خدمة اجتماعيَّة.

ـ إنَّها مهنة إنسانيَّة.

فهي خدمة اجتماعيَّة؛ كونها تستند على الخصوصيَّات التي بها تتميَّز المجتمعات وتختلف، عادة وعرفًا ومعتقدًا وثَّقافةً، ولهذا فلكلِّ مجتمع خصوصيَّة ينبغي أن تراعي في أثناء عمليَّات الدّراسة والتحليل والتشخيص والعلاج، وكذلك في أثناء التقييم والتقويم الموضوعيين.

أمَّا كونها مهنة إنسانيَّة فهي لا ترى الإنسان إلَّا قيمة في ذاته، وقد خلقه الله تعالى في أحسنِ تقويم؛ ولهذا تتعامل الخدمة الاجتماعيَّة النَّاهضة مع الفرد أو الجماعة أو المجتمع مهنيًّا؛ حيث لا تعصُّب ولا تهميش ولا إقصاء ولا تفضيل لأحدٍ على أحدٍ من حيث العمل المهني والإنساني خُلقًا.

ومن هنا أقدِّم إلى القراء الكرام، والبحَّاث الجادين، والمتخصّصين في مهنة الخدمة الاجتماعيَّة والتنمية البشريَّة موسوعة الخدمة الاجتماعيَّة النَّاهضة، وفي مقدِّمتها أقدِّم (المفاهيم والمصطلحات)؛ لتكون بين أيديهم مفاتيح ميسِّرة لمفهوم المعلومة دلالة ومصطلحًا ومعنى.

إنَّها المفاهيم والمصطلحات التي بها يُفكّ الّلبس إن كان عالقًا ببعض المفاهيم والمصطلحات، أو أنَّه كان عالقًا في أذهان البعض، وبشكل عام أقدِّمه للمتخصّصين في مجالات العلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة، أمَّا بشكلٍ خاصّة فأقدِّمه إلى المتخصّصين في مهنة الخدمة الاجتماعيَّة والتنمية البشريَّة.

تقدِّم هذه الموسوعة المفاهيم البحثيّة من زاوية أنَّها مفاهيم علميَّة لا تقتصر على خصوصيّة معيّنة، بل تتعدّى الخصوصيَّات بغاية مدّ البحاث بما يُمكِّنهم من البحث موضوعيًّا؛ وذلك دون غفلة عمَّا يمكِّن من توظيفها في بيئات مختلفة، وبأساليب متنوّعة.

أمَّا من حيث المصطلحات فلا شكَّ أنَّ لكلّ مجتمع خصوصيَّة ثقافيَّة ومعرفيَّة، وهذا ما جعل كلّ خصوصيّة متميّزة عن غيرها من الخصوصيَّات، وجعل لها بيئة خاصَّة اصطبغت بها هويَّة بمؤثرات دينيَّة وعرفيَّة؛ فأنتجت ثقافة أنتجت مصطلحات ذات مفاهيم مخالفة للمفهوم الموضوعي والعلمي للكلمة، ومن هنا وجب التصويب، أي: ينبغي تصويب المصطلحات التي تم التعارف عليها وقد سوِّقت بذلك المتعارف عليه وهو المخالف لمراميها ومفاهيمها.

هذا المجهود يقدِّم خدمة للبُحَّاث الذين لهم من الآمال الواسعة ما يمكِّنهم من كشف المجهول، وبلوغ المأمولات التي يسعون إلى نيلها علمًا ومعرفةً.

إنَّه المجهود الذي لا يقبل بالجمود والسُّكون العلمي، فيحرِّض على تحدِّي الصَّعاب بحثًا علميًّا، حُجَّته أنَّ الصِّعاب لا تصمد أمام التحدِّي؛ ذلك لأنَّ الصِّعاب تُقهر، ولا مستحيل في دائرة الممكن المتوقَّع وغير المتوقَّع.

ولأنَّ العلوم الاجتماعيَّة الحديثة علوم تحدِّي صِعاب كان من الواجب علينا رفع هذا العنوان موضوعًا ميسَّرًا بين أيدي البحاث والمتعلّمين وأهل المعارف الواسعة.

وأخصُّ بهذا الموضوع مهنة الخدمة الاجتماعيَّة؛ كونها مهنة إنسانيَّة وجب على المتخصّصين في طرقها وشعبها وميادينها النُّهوض قبل غيرهم من المتخصّصين في العلوم الاجتماعيَّة والإنسانيَّة الأخرى، أي: وجب عليهم تحدِّي الصِّعاب خدمة للإنسان ومن يكون من أجل أنْ لا يحيد عمَّا خلقه الله عليه خلقًا، مصداقًا لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}[1].

ومع أنَّ الإنسان قيمة عظيمة في خَلقه، فإنَّه لا يدرك أهميَّة هذه القيمة قيميًّا؛ فلو أدركها ليس له إلَّا الحفاظ عليها ارتقاءً، أي: ليس عليه إلَّا البحث من أجل الارتقاء إليها خُلقًا.

ومن هنا وجب على مهنة الخدمة الاجتماعيَّة النُّهوض من غفلتها والعمل من أجل ترسيخ قيمة الإنسان ليكون حرًّا دون أن يمتدّ على حساب حرّيَّة الغير، أو أنْ يكون سببًا في إزعاج الآخرين.

ولأنَّها الموسوعة النَّاهضة بمهنة الخدمة الاجتماعيَّة، فإنَّها لم تغفل عن أيِّ متغيِّرٍ ينبغي أن يُبحث نهوضًا بمهنة الخدمة الاجتماعيَّة، سواء اكان على مستوى خدمة الفرد أم خدمة الجماعة أم تنظيم المجتمع، أم التنمية البشريَّة وطرق البحث العلمي وإدارة المؤسَّسَات.

هذا وقد خصَّصنا بحثًا لدور الأخصائي الاجتماعي النَّاهض بمهنة الخدمة الاجتماعيَّة النَّاهضة؛ وهنا نقصد بالأخصائي النَّاهض ذلك المستوعب لدوره نهوضَا.

أمَّا المهنة النَّاهضة فهي التي بها يتمكّن الأخصائي الاجتماعي من النُّهوض بالعملاء والنُّزلاء سواء أكانوا في مؤسَّسَات الخدمة الاجتماعيَّة والخدمات الاجتماعيَّة، أم أنَّهم نزلا دور الرِّعاية الاجتماعيَّة.

أ د. عقيل حسين عقيل

طرابلس ليبيا

2023م