الفِكْرُ بين قضيَّة عقليَّة وأخرى
Book Cover: الفِكْرُ بين قضيَّة عقليَّة وأخرى

الفِكْرُ قضيَّة عقليَّة تمكِّن من الاستنباط والاستقراء، وتلفت إلى معطيات المشاهدة والملاحظة، وتستوقف العقل عند كلّ متغير من متغيراتها المستفزّة للمعرفة، وتمكّنه من كشف العلاقات بين المقدِّمات والنتائج.

ولذا فالفِكْر كونه مولود العقل لا يمكِّن من الإضافة العلميَّة والمعرفيَّة إلَّا بعد مزيد من المستفزّات الذهنيَّة، التي تلفت أهل العقول الفطنة إلى تلك العلل والأسباب والمسبّبات الممكّنة من استكشاف القوانين وصوغ النَّظريَّات المسيّرة للظّواهر الطّبيعيَّة والاجتماعيَّة.

ومن هنا فقد بيَّنا في هذا المؤلَّف الفرق بين الفِكْر كونه الصّوغ العام للمعرفة العلميَّة المصنَّفة، والفِكَر كونها (مجموع الفكرة)، أمَّا الأفكار فهي التي لم تصنّف بعد؛ لكونها ما زالت تحت الاختبار والمراقبة والملاحظة.

والفِكْر بين قضيَّة وأخرى هو الموضوع الجدلي الذي بالمجادلة في قضاياه يتمّ التبيّن بعد وعي واستقصاء؛ ولذلك فإنَّ القضايا الفكريَّة تتلازم في حلقات متداخلة تارة تتوافق في معطياتها وتارة تتضاد؛ ولهذا فإنَّ العلاقة بين العقل والفِكَر (مجموع الفكرة) هي علاقة ترابط وتداخل، والعلاقة بينهما عبر الزّمن لا تنقطع إلَّا في حالة واحدة أن يفقد العقل مدركاته الواعية.

ومن هنا نجد أفكار العقل المتبيّن منسجمة مع الزّمن وما يحتويه من تاريخ مضامينه وكأنَّها المنسوجة فيه نسجًا؛ ولذا لا يقطع الإنسان مسافات عبوره المعرفيَّة إلى الامام دون عودة إلى معرفة ما تحتويه سجلَّات التَّاريخ؛ وذلك بغاية استقراءه، وأخذ العبر منه؛ كونه المخزن العظيم للمعلومات الواسعة.

ولهذا فقد ميّزنا في مؤلَّفنا هذا الفرق بين:

ـ التذكُّر: الذي به نتمكّن من معرفة تاريخ تلك المعارف والعلوم والتجارب، ومدى استفادتنا منها في وقتنا الحاضر، ومعرفة ما يمدّنا بالثّقة الممكِّنة من النَّظر إلى الامام ونحن نتابع غاياتنا ومأمولاتنا المنتظرة.

ـ التدبُّر: الذي لا يكون إلَّا بالالتفات إلى حاضرنا دون أن نغفل عن أهميَّة قبولنا تحدّي الصِّعاب التي تحاول أن تتربص بنا الدّوائر، في الوقت الذي نحن واثقون بأنَّ الصّعاب لا تستطيع الصّمود امام المتحدين لها صبرًا مع تحمّل ما يترتَّب على ذلك من مسئوليَّة.

ـ التَّفكُّر: هو الذي يولّد الجديد المفيد بعد أخذ عبر ومواعظ من تلك النجاحات وتلك الانتكاسات التي وقع فيها البعض كونهم لم يتطلّعوا إلى صناعة المستقبل غاية من بعد غاية ومأمول من بعد مأمول.

أ د. عقيل حسين عقيل

طرابلس ليبيا

2024م