الفضائل مصادر النعم
Book Cover: الفضائل مصادر النعم

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[1] هذه الآية الكريمة خيرُ ما استهلّ به مقدِّمة مؤلَّفنا (الفضائل مصادر النِّعم)؛ إنَّه المطلب الدَّائم لمن يعي إنَّه مهما تلقّى من علمٍ فهو في حاجة للمزيد، وهنا اعترف أنَّني كلّ ما أبحث في موضوعٍ استنار عقلي وازدادت معارفي ومعلوماتي، وفي الوقت ذاته أكتشف أنَّني كنت جاهلًا فيما بحثت أو ألفت من مؤلَّفات، وهذا الأمر ليس تواضعًا منّي كما يظنّه البعض، بل إنَّه الحقيقة.

أمَّا تداعيات ولادة هذا المؤلَّف فكانت نتاج حيرةٍ فكريَّةٍ حول النِّعم التي أنعمَ الله بها على عبادهِ؛ فمِن أيَّة مصدرٍ هي؟

فجاءت النتائج بعد جهدٍ ليس بالهيّنٍ؛ إنَّها من تلك الفضائل التي لا تستمدّ إلَّا من صفات الله تعالى. وحينها عرفتُ لماذا نِعمُ الله لا تحصى؛ ذلك أنَّها من تلك الصِّفات التي لا تحصى.

ومن هنا استطعنا أن نميِّز بين أربعة متغيِّرات بحثيَّة:

الأولى: أنَّ اسم الله اسم ذات فيه كلّ الصِفات الحسنى، ولكن لا يمكن أن تُستمدّ من اسم الله صفة.

الثَّانيَّة: الصِّفات المطلقة لصفات الله تعالى؛ وهي التي تحتويها أسمائه الحسنى وأفعاله الحِسان.

الثَّالثة: الفضيلة لا يُمكن أن تكون فضيلة ما لم تكن مستمدّة من تلك الصِّفات المطلقة لله تعالى.

الرَّابعة: تلك النِّعم لا تحصى، وهي التي لا تستمدّ إلَّا من فضائله التي لا تُحصى جلَّ جلاله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[2]، ومن هنا تمّ طرح السُّؤال:

أيَّهما اسبق الصِّفة أم الفضيلة أم النِّعمة؟

فكانت النتيجة كما تمّ عرضها سابقًا لولا الصِّفة الحسنة ما كانت الفضيلة الحسنة، ولولا الفضائل التي لا تحصى ما كنت النِّعم رحمة على الخَلق لا تحصى.

ولذلك هناك علاقات متداخلة بعضها من بعض، وبعضها لبعض، فكون بعضها من بعض؛ لأنَّها بلا استثناء مستمدّة مِن مصدرٍ واحدٍ، وجميع مصادرها حسنى (جميع النِّعم من الفضائل الحسنة المستمدّة مْنَ الصِّفات الحسنى).

أمَّا من حيث كونها (بعضها لبعض)، فسبحان الله قد أوجد الخالق النِّعم خَلقًا بلا مقابل، ثمَّ جعل نعمة البحث والسَّعي نعمة مضافة بها تميَّز من خَلقه الله في أحسن تقويم، وشاء له أن يكون الخَليفة. فسخَّر له من نعمه ِنعمًا يستمدُّ منها نعمة البقاء على قيد الحياة طوال عمره الذي هو بيد الله في الحياة المؤقّتة مؤقَّتًا، وفي الحياة الدَّائمة بيده دائمًا؛ ولذلك سخَّر له من نعمه ما خَلق من الحيوانات ليخدمها ثمَّ لتخدمه، فهو يخدمها يربِّيها أكلًا وشرابًا وعناية ورعاية، ثمَّ تخدمهُ فمنها ينسج ملابسه، ومنها يشرب لبنًا ويأكل لحمًا حلالًا.

وهكذا حال العلاقة مع الأرضِ والنَّباتاتِ يخدمها فتخدمه (نعمة بنعمة) فإذا حرث وزرع حصد، وإذا أهمل هذا الأمر فالفقر يهدِّدهُ عطشًا وجوعًا ومرضًا وموتًا.

ولأنَّه لا فضل إلَّا من ذي الفضل؛ فالله واسع النِّعم نعمهُ لا تحصى؛ ولذا فمهما حاولنا أنْ نعدَّها فلا إمكانيَّة لنا إلَّا العجز، ثم الاعتراف بفضله وكرمه ورفعته وعظمته سبحانه جلَّ جلاله.

أ د. عقيل حسين عقيل

أستاذ التنمية البشريَّة والخدمة الاجتماعيَّة

جامعة طرابلس كليَّة الآداب

2024م.