العقل بين وهم واستنارة
Book Cover: العقل بين وهم واستنارة

العقل بين أوهامٍ واستنارة لا يعني أنَّ العقل في حيرة من أمره، ولكن يشير في هذا الموضوع قيد البحث والدراسة إلى تلك المعارف التي لم تخضع للتقصّي العقلي الدَّقيق والمصنَّف؛ من حيث المفهوم والدّلالة، ومن حيث المعنى والحقيقة؛ مما يجعل البعض يأخذ بتلك المعارف المشوّهة وكأنَّها مسلّمات؛ في الوقت الذي فيه البعض ليس كذلك؛ ذلك لأنَّ المعلومة ليس دائمًا صادقة، أي إنَّها في بعض الأحيان تكون خاطئة ومضللة؛ ومن هنا علينا أن نميِّز بين الماء والسّراب قبل أن نفرّط في جرعة الماء، وعلينا بالمعرفة اليقينيَّة التي تسند أصحابها بلا زوابع؛ كونها الحقيقة سواء أكانت الحقيقة: علم يقين، أم حقّ يقين، أم عين يقين.

ومن هنا سيكون الجدل حاصلًا بين المستنيرين على البيّنة والحقيقة، وفي المقابل يكون الجدل بينهم والمغيّبة عقولهم بين حقيقة وباطل؛ أي بين من يعلم ومن يجهل، وبين من يدري ومن لا زال على أميّته مغيّبًا.

ولذلك أقدّم مؤلَّفنا إلى القرَّاء الكرام بموضوعيّة تمكّن من إظهار الحجج العلميّة المبطلة لتلك الخرافات، وتلك الأقاويل التي تُرسم بأصابع المتربّعين على سُدد الحكم وكأنَّهم المفتون ولا غيرهم.

فالعقل عندما تحتضنه تلك الأوهام والخرافات التي تفتقد إلى السّند العلمي والقانوني والموضوعي والأخلاقي يُصبح العقل مغيّبًا ومقيّدًا بقيود يجب كسرها؛ حتى لا يعم الجهل ويصبح السيِّد على أولئك التبّع الذين ليس لهم رأي حتى فيما هم عليه من أمرٍ وأحوالٍ؛ فمثل هؤلاء مسلوبو الإرادة يظلون في حاجة لمنقذٍ، ولا منقذ لهم إلَّا العقل الذي في حاجة إلى استنارة تخرجه من تلك الظُّلمة التي متى ما المت به جعلته مغيّبًا عن معرفة الحقيقة، ومغيبًا عن الملاحظة والمشاهدة التي تمكِّنه من المعرفة الواعية.

ولذا فالعقل بدون استنارة لا يتمكّن من الدّراية الواعية؛ كونه المغيّب عن المعرفة الحاسمة للأمر في أثناء كل خلاف واختلاف؛ ولهذا بعث الله تعالى الرُّسُل الكرام مبشّرين بالحقائق والمعجزات خلال قرون من الزّمن. أمَّا من بعد الرُّسُل فالأمر بين النَّاس شورى، ولهذا لا مفتي من بعد البيّنة الرّبّانيَّة، وكل شيء في الكتاب محفوظ.

ولأنَّ الأمر أصبح من بعد الرِّسالة الخاتمة والرّسُول الخاتم شورى بين مَنْ يتعلّق الأمر بهم؛ إذن لا داعي لتغفيل النَّاس عمَّا يتعلّق بأمورهم سواء أكانت أمور سياسيّة، أم اجتماعيَّة، أم اقتصاديَّة، أم إنسانيَّة.

أ د. عقيل حسين عقيل

2024م