الإنتهازيون لا ينتظرون إعطاء
Book Cover: الإنتهازيون لا ينتظرون إعطاء

 

بِسم الله نَدخلُ مُدخل صدقٍ ونَخرجُ مُخرج صدقٍ، وبه نستعين؛ لأقدِّم مؤلَّفِنا (الانتهازيّونَ لا ينتظرون إعطاء فُرصة) إلى القرَّاء والنقّاد الكرام لعلّهم يضيفون أو يصحِّحون، أو يلتفتون إلى منسأتهم الفكريّة قبل أن تأكلها دابة الأرض وتبقى ظهورهم منحنية؛ ذلك لأنَّه ليس من دابة على الأرض تأكل المنسأة الفكريّة إلَّا تلك الدّابة الانتهازيَّة.

ومع أنَّ جُل الكتَّاب والمتحدِّثين وحتّى اللغويين يقرّون بأنَّه لا انتهازيَّة إلَّا لفرصةٍ تُتاح؛ فإنَّنا لا نُقرَّ معهم هذا المفهوم؛ لأنَّ الفرصة لا تزيد عن كونها فُسحة (فترة من الزّمن مع إعطاء إذن يسمح بالاستثمار، أو الانتشار) فينبغي أن تستثمر أو أنْ يتم الانتشار عندما تتاح وإلَّا ستضيع؛ ذلك لأنَّ الفرصة تعطى عن إرادة وطيب خاطر، وتؤخذ عن رغبة، وما يعطى عن إرادةٍ واعية يؤخذ ولا انتهازيَّة فيه.

ولذا فالانتهازيَّة لا تَحدث إلَّا بتجاوز تلك الفُسحة التي أعطيت ولم يتمّ التوقّف عند حدودها؛ ومن هنا يأتي الاغتنام والاستغلال بغير حقٍّ؛ فعلى سبيل المثال: عندما يُسمح لك بالتمدّد فقط لمساحة كيلو مترٍ واحدٍ وبكل حريَّة فهذه فُرصة، ولكن عندما لا يسمح لك إلَّا بالتمدّد لكيلو متر واحد ويجدونك متمدّدًا خمسة كيلو مترات فهنا تكمن الانتهازيَّة، أمَّا بخصوص ذلك الكيلو متر الذي مُنحت لك الفرصة لتتمدَّد فيه فلا انتهازيَّة لك فيه أبدًا. ولهذا دائمًا التمدّد على حساب حقوق الغير مظلمة في مواجهة الأعراف والأديان والدّساتير التي تستمد القوانين المنظمة منها.

وعليه: جاء عنوان مؤلَّفنا (الانتهازيون لا ينتظرون إعطاء فرصة) ليبيّن أنَّ الانتهازيّة لا تُعطى الفرص لها، بل الانتهازيَّة لا تتمُّ إلَّا بعد انقضاء زمن الفرص أو مساحتها أو الإذن الذي منح لمن منح له فيما هو محدَّدٌ أو مقنّنٌ.

ولذا فلا يليق بنا أن نقول: (إنَّ الفرصةَ تُنتهزُ)، بل نقول: (إنَّ الفرصة تستثمرُ)؛ ومن ثمَّ فالفرق كبير بين: الانتهاز والاستثمار، فالانتهاز فعل لا يأتي إلَّا من بعد انقضاء فعل مسموح به، وهو الفعل الذي لا يكون من بعده شيء يسمح به، مما يجعل صفة أيّ تمدّد من بعده لا صفة له إلَّا الانتهازيَّة. أمَّا الاستثمار فلا يكون إلَّا في دائرة الممكن المسموح الاستثمار فيه والاستثمار به؛ وهنا تكمن الفرص فتعطى وتؤخذ.

إذن هناك علاقة مفاهيميَّة متداخلة تستوجب التوضيح بين (الاستثمار والاستغلال)؛ ذلك أنَّ الاستثمار لرأس المال وفقًا لقاعدة أخذ الحقوق وممارستها، أمَّا الاستغلال فلا يكون إلَّا لجهد الغير أو ممتلكاته وثرواتهم، وهنا تعشعش الانتهازيَّة وجذورها تضرب.

وعليه: فإنَّ الفرصة دون زمن محدّدٍ لها فلا وجود لها، وكذلك فهي دون إذن لا تسمى فرصة، ولهذا فالفرصة لا تضيع، بل الذي يضيع وقتها المحدد؛ ومن ثمَّ فإذا انقضى وقتها فلا فرصة.

أ د. عقيل حسين عقيل

2024م