أرسُولٌ ويغزو؟!
Book Cover: أرسُولٌ ويغزو؟!

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

افتتح مقدِّمة مؤلَّفي (أرسُولٌ ويغزو)، الذي أقدِّمه للقراء والنقَّاد الكرام؛ ليكون بين أيديهم قراءةً ونقدًا بناءً يُمكِّن من الأخذ بما جاء فيه، أو تصويب ما ورد، أو أنْ يضاف إليه الكثير أو القليل؛ إذ لا كمال إلَّا لله تعالى.

وقد أُسِّستْ فكرة هذا المؤلَّف على استفسار استغرابي طرحه أخي الدكتور أبو القاسم حسين عقيل الأستاذ في العلوم الاقتصاديَّة، الذي جاءني وأنا في ساعة البحث العلمي متسائلًا بقوله: أيُعقل أنْ يكون رسول الله غازيًا؟!

بعد صمتٍ قليل قلت: لا يُمكن أن يكون رسول الله غازيًا. ومن هذا المنطلق بدأنا نحن الاثنين ننتقد كلَّ من قال إنَّ رسول الله كان غازيًا. ولأمرُ بالنّسبةِ إليَّ أصبح محيّرًا فبدأتُ بالقراءةِ وفقًا للفرضيَّة التساؤليَّة (أيُعقل أنْ يُبعث رسول الله ليكون غازيًا؟)

ومع أنَّ صوغ الفرضيَّة لا يكون إلَّا من الباحث، فإنَّ الفرضيَّة بعد صوغها تُسيطر على عقلِ الباحث وتوجهه بحثًا، بدأتْ القراءةُ منطلقة من معرفة اللغة لتحديد معنى الغزو، ثم بدأتْ القراءة تتسّع مع قراءة ما كُتب عن هذا الموضوع، غير أنَّ الإلمام بالمفاهيم وفلسفتها كان الغربال الذي به تُغربل الكلمات والجمل.

بعد تعمُّق جميل استنار العقل بِحُججٍ دامغة أنَّ الرَّسُولَ يغزو؛ ومن ثمَّ بدأت المعلومة الصَّائبة تصحّح المعلومة الخاطئة، وبدأت المعلومات الخاطئة تستسلم أمام المواجهة الدَّامغة للمعلومات الصَّائبة، حتى تمَّ استكمال مؤلَّفنا بحثًا موضوعيًّا كما هو على هذه الهيئةِ والمضمون والمحتوى.

وفي هذا المؤلَّف يجد القارئ المتفحّص منهجًا تحليليًّا ييسِّر له التبيُّن الممكِّن مِنَ المعرفة الواعية؛ وذلك مِنْ خلال ما يقدِّمهُ مِن حُجُجٍ ووفقًا للغة والمفهوم والدّلالة والمعنى.

ولذا فقد تمَّ التمييز بين الغزو، وغزو الغزاة، وكذلك بين الغزو المادِّي (أموال وممتلكات وأراضٍ)، والغزو العقلي (فكرًا ومعتقدًا وثقافةً)؛ فكانت الدّلائل شواهدَ مِن أجل كرامة الإنسان، واحترام دينه ومعتقده، الذي يستوجب فتح أبواب الاتصال، ومن هنا كان الشِّعار الرَّئيس لرسالة النَّبيّ محمَّد (أسلم تسلم).

رسالةٌ وشعارها (أسلِم تسلَم) لا يُمكن أن يكون نبيُّها غازيًا من أجل السّلب والنّهب، أو أنْ يكون قاطعًا لطريقٍ بغايةِ أخذ الأموال من العابرينَ، أو أخذ شيء مما يمتلكون.

ومع ذلك أقول: كان للرَّسول محمَّدٍ عليه الصَّلاة والسَّلام غزوات وكلَّها _دون أيِّ استثناء_ لم تكن إلَّا لغزو من جاءه غازيًا، أو لغزو من غزى تلك الأموال والممتلكات التي تركها المسلمون في مكَّة، من هنا بدأ الرَّسُول والذين معه يعدُّون العدّة الغازية؛ وذلك بغاية استرداد ما نُهب من ممتلكاتهم، كما هو حال كفَّار قريش الذين استولوا على ممتلكات المهاجرين في مكَّة بعد أن تركوها فارِّين بأنفسهم، ومن أجل دينهم؛ فاستولى كفَّار قريش عليها وحمَّلوها قوافل على ظهور الإبل، واتجهوا بها إلى الشَّام، فعندما عَلِمَ الرَّسُول والذين معه أنَّ قريشًا تتاجر بأموالهم وممتلكاتهم التي تركوها؛ قرّروا اعتراض تلك القوافل المحمَّلة بالمسلوب والمنهوب والمستولى عليه بغير حقّ، فكانت هذه الغزوة الأولى التي تلتها غزوات من أجل استراد ما تمَّ الاستيلاء عليه من قِبل كفَّار قريش لممتلكات المسلمين، أمَّا بقيَّة الغزوات فكانت كلَّها لمباغتة من يعد العدّة لغزو المسلمين في المدينة أو مكَّة بعد الفتح الذي يسّره الله لنبيِّهِ محمَّد والذين معه.

وقد تم استعراض الغزوات الرَّئيسة التي قادها النَّبيّ وخاضها معه المسلمين، ومراعاة ترتيبها الزَّمني، وتبيان الأسباب والعلل، وكذلك النتائج والدّروس المستفادة، والالتفات إلى ما يُمكن أخذه من المواعظ والحكم والعبر.

هذا المجهود البحثي لم يتناول غزوات الرَّسُول بكل متغيراتها، بل تناولها فقط وفقًا للمتغيرات الخاصَّة با العنوان التساؤلي:

أرسُول ويغزو؟!

ومن هنا جاءت نتائج البحث في هذا المؤلَّف الذي أخذ عنوان التساؤل (عنوانًا له)، أنَّ الرَّسول على الرُّغم من المواجهات العنيفة التي واجهته في تلك المعارك، فإنَّه لم يخسر معركةً واحدة، بل انتصر في كلِّ الغزوات والمعارك التي كُتِبتْ عليه في أثناء غزواته.

وما يلاحظ أنَّ بعض التواريخ لا يوجد اتفاق عليها من قبل الباحثين الذين سبقونا بحثًا في هذا الشَّأن، ولهذا استوجبت إشاراتنا إليها بقولنا (تقريبًا).

وما يلاحظ أيضًا أنَّ الذين سبقونا بحثًا في هذا المجال يميلون إلى التفسير ولا يأخذون بالتحليل العلمي وقواعده الموضوعيَّة التي تقيّد المتغيرات وبها تتقيد التزامًا علميًّا، سواء أكانت متغيرات تابعة ومستقلة أم إنَّها متغيرات دخيلة ومتداخلة.

أ د. عقيل حسين عقيل

أستاذ التنميّة البشريَّة والخدمة الاجتماعيَّة

جامعة طرابلس كلية الآداب

2024م