مبادئ فكّ التأزّمات
Book Cover: مبادئ فكّ التأزّمات
Editions:PDF

استنادا على أنه لا مشكل إلا وله حل جاء عنوان مؤلفنا: (مبادئ فك التأزمات بين الأنا والآخر)؛ ذلك لأن طبيعة الخلق البشري الاختلاف الذي لا يكون إلا تنوعا في المعرفة والمقدرة وما يؤدي إلى الارتقاء أو ما يؤدي إلى الدونية؛ مما يستوجب التقاء الأنا والآخر على موائد المعرفة أو طاولات الحوار والنقاش والتجادل برهانا وحجة، بهدف تصحيح المعلومات الخاطئة بمعلومات صائبة، وبغاية بلوغ المأمول المشترك ونيله معا.

ولأن من طبائع البشر القبول والرفض ظل الاختلاف بينهم بين تسامح وتجاوز، وبين تشبث وعصبية، فولد بينهم الخلاف نزاعا وصداما واقتتالا؛ ومن هنا ولدت التأزمات بين المختلفين (الأنا والآخر) فجعلت الهوة بينهما تزداد عداء، وبدأت المظالم تنتشر باطلا بلا حجة؛ فعطلت عن العمل ممارسة الحقوق وأداء الواجبات وحمْل المسؤوليات ؛ مما دعا الضرورة إلى القبول بتقديم التنازلات على أيدي الراشدين في بيئة الخلاف.

فكان الاعتراف مطلبا بين الأنا والآخر لأي تسوية وتصالح، وظل مطلبا إلى أن تم نيله، وأصبح مبدأ لا تحل الصدامات إلا وهو في الصدارة (فإن اعترفت أن الحقوق تمارس اعترف لك بحقوقك، وإن اعترفت أن الواجبات تؤدى، اعترف لك بواجباتك، وإن اعترفت أن المسؤوليات تحمل اعترف لك بمسؤولياتك) وفي المقابل فإن لم تعترف سيزداد عدد المتاريس بيننا.

ولأجل إزالة التمترس بين الأنا والآخر كان الاحترام مطلبا (احترمني أحترمك، وإن لم تحترمني فلا تنتظر احتراما مني). أقر هذا المبدأ عن رغبة متبادلة بين المتخالفين الذين تمسكوا به وبمبدأ رد الاعتبار في حالة أي خطأ يرتكب وممن يرتكب. ومن هنا بدأت مفاتيح فك التأزمات تتمكن من التفهم وغرس الثقة من أجل مستقبل مشترك لا يتحقق إلا بتفهم الظروف التي جعلت للأنا خصوصية بها يتميز عن غيره،كما يتميز غيره عنه.

ولأن مبادئ فك التأزمات لا تولد إلا من قيم مقدرة جاء التماس الاستيعاب مبدأ متكئا على مبدأ استشعار التفهم الذي من بعده جاء مبدأ استبصار التقبل ضرورة بين المختلفين والمتخالفين.

ولأن طبيعة البشر بين إيجابية تتبع وسلبية تسلك، كان التميز نتاج المنافسة وتحدي الصعاب، وكان الفشل نتاج الإهمال والمفسدة، فولد خلافا من بعد خلاف، ولكن حسم أمره بأن التقدير حق لا ينبغي أن يحرم منه متفوق ومتميز، ومن هنا أصبح إحراز التقدير مبدأ به ينال الفائزون الجوائز تقديرا واعترافا.

ولأن للمعتقد أثرا، وللعرف أثرا، وللعادة أثرا، وللتاريخ أثرا ترسخت قيمة الكرامة وأهميتها شرعة ومنهاجا، مما جعل المساس بها في مواجهة القوانين التي تعزز الحفاظ عليها موضوعيا ولا انحياز إلى الأنا على حساب الآخر.

إن ترسيخ هذه المبادئ لم يكن نتاج عقد بشري، بل نتاج الدين والعرف والعادة التي تم استلهام الدساتير والقوانين منها لتنظم علاقات الناس أفرادا وجماعات ومجتمعات وشعوبا وبشرية ولهذا فعلت المشاركة وبكل شفافية.