الوجود الخلقي (من اللاشيء عدمًا إلى الاستخلاف)
إنَّ البحثَ في هذا الموضوع (الوجود الخَلقي من اللاشيء عدمًا إلى الاستخلاف)، أخذَ جهدًا ليس هينًا، تمكنَّا به مِن معرفةٍ مضافةٍ لعلَّها تكون بين أيدي القرَّاء معرفةً ميسَّرة من خلال ما نقدِّمهُ في هذا المؤلَّف.
لا شكَّ أنَّ البحثَ في علم الوجود طُرقهُ شائكة، وأساليبهُ متعدِّدة، ومناهجهِ كذلك؛ ومع ذلك ليست بمستحيلةٍ، ومن هذا المنطلق خُضّنا هذا الموضوع بحثًا؛ حتى تمكّنَّا في دائرة الممكن من الإلمام به فكرًا ودرايةً، وما يَسَّر لنا هذا الأمر هو ما سَبق لنا أنْ نظّرنا له في مؤلَّفنا (نحو النَّظريَّة خَلقًا ونشؤًا وارتقاءً)، وهذه النَّظريَّة تعدّ هي المصدر الرَّئيس لمؤلَّفنا هذا بعد كتاب الله وسنَّة نبيِّه محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام.
وكان تركيزنا على الوجود الخَلقي (خَلق الإنسان) الذي أنبته الله من الأرض نباتًا، غير أنَّ ذلك الإنبات كان لاحقًا لموتٍ سَابقٍ أُحيى منه الوجود الخَلقي كُلَّه؛ إذ كان الوجود مرتكزًا على إحياء، ثمًّ موتًا، ثمَّ إحياء، ثمَّ الوقوف بين يدي الله تعالى؛ حيث لكلٍّ حسابة (ثوابًا أو عقابًا).
في هذا المؤلَّف كان الحوارُ مع المفكِّرينَ وفقًا لما نظَّروا وكتبوا في هذا المجال جدلًا عميقًا، لكنَّه الجدل الذي منه تُولَّد المعلومةُ مِنَ المعلومةِ، ومنه تصحح المعلومات الصَّائبة المعلومات الخاطئة، ومع ذلك ليس بالأمر الهيِّن أنْ يكون الاتفاق مع البعض، حتى وإن كانت الحُجَّةُ أمرًا منزَّلًا من الله تعالى.
إنَّ البحثَ في معرفةِ الكون المتمدّد متسارعًا؛ يتطلَّب مزيدًا من البحث المعمَّق، كما أنَّه يتطلَّب تعاونًا واسعًا بين بني الإنسان؛ ذلك الإنسان الذي خَلقه الله تعالى في أحسنِ تقويم، بغايةٍ أنْ يكون خَليفتَهُ في الأرضِ التي شاكسهُ إبليس فيها، وما زال مشاكسًا، كما سبق وأنْ استغربت الملائكة بأنْ يكون الإنسُ هو المكلّفُ بهذه المهمَّةُ الاستخلافيَّة.
في هذا المؤلَّف طُرحت تساؤلات كثيرة، وظهرت لنا غرائب وعجائب كثيرة، تُبهرُ الأبصار، وتنير العقول، وتطمئن القلوب، وتُريح الأنفُس، وتحفِّز على مزيدٍ من البحث، وهذه كلَّها لن تتحقّق ما لم تُفتح أبواب الوجود بحثًا، وأبواب العدم معرفة، وأبواب الشّيء واللاشيء علمًا، وأبواب الاستخلاف في الأرضِ درايةً واستنارةً.
في معارفنا السَّابقة كنَّا ندري بالشّيء ونعرفه، وفي المقابل لم نكن نعرف اللاشيء، إلَّا أنَّ المزيد من البحث يُمكِّن من المزيد العلمي والمعرفي الذي بدوره يُمكِّنَ مِن التمييز بين هذا وذاك، ثمَّ يُمكِّن من أن يُصبح لك رأيٌ يضاف إلى تلك الآراء التي سبقتك بحثًا علميًّا.
أمَّا الاستخلاف في الأرض الذي بدأ الحوار حوله والاختلاف في السَّماء بين الملائكة وآدم وإبليس، ما زال الحوار والخلاف عليه بعد الانفتاق العظيم الذي به أهبط بالمتخالفين أرضَا على الأرض الدُّنيا. إلَّا أنَّ الاستخلاف أخذ اشكالًا غير التي كانت والأرض رتقًا مع السَّماوات العُلى.
أخذَ الصِّراع على السُّلطة بين مَنْ يحكم مَنْ، ومَنْ ينبغي أن يسود خليفةً على حِساب مّنْ، ومَنْ يملك الإرادة في المواجهة صراعًا داميًا؛ ومن هنا ظلَّت رحى الصّراعات والصِّدامات والنزاعات والاقتتالات الدَّمية تدور على حساب سيادة الخليفة الذي خُلق لأنّْ يكون خليفةً الله في أرضه.
من خلال البحث في هذا الموضوع الشَّائك كانت حَلقات التَّاريخ تَمدُّنا بتلك التَّجارب، وتلك الظّروف الخاصَّة والعامَّة، وتلك المعلومات السَّاندة والوافية، سواء في زمن العلاقة بين السَّماء والأرض التي كانت المعجزات فيها تتنزَّل على الرُّسُل الكرام، أم تلك الفترات التي تعاقبت من بعدهم بصراعات دامية واقتتالات طالت صحابة رسول الله الذي اصطفاه الله تعالى للكافَّة.
أ د. عقيل حسين عقيل
أستاذ التنمية البشريَّة والخدمة الاجتماعيَّة
جامعة طرابلس كليَّة الآداب
2024م
Comments (0)