السِّيادةُ الوطنيَّةُ إرادةٌ وهويَّة
السِّيادة قيمة خيّرة لا توهب إلَّا من الله تعالى، أمَّا على المستوى البشري؛ فإنَّها تحتاج إلى جهدٍ حتى يتمّ نيلها، وهذا يعني أنَّها تتطلّب الجهد الذي يستند على القول الحقّ، والفعل الحقّ، والعمل الحقّ، والسُّلوك الحقّ، وتكون السِّادة على المستوى الفردي سيادة قيميَّة تمكِّن صاحبها مِن نيل التقدير مِنَ الآخرين، وهكذا تكون الجماعة على القيم الخيِّرة والفضائل الحميدة، والعمل المشترك النَّافع الذي يعطها قيمة بما تفرض به سيادتها احترامًا وتقديرًا، وبما تقوم به من مناشطٍ وعملٍ من أجللها والآخرين ذوي العلاقة.
أمَّا على المستوى المجتمعي أو الدَّولة فأمر السيَّادة أمرٌ وطني يتعلّق بسيادة المواطن في وطنه، وسيادة الشَّعب من حيث مدى ممارسته لحقوقه، وأدائه لواجباته الوطنيَّة، ومدى حمله لمسئوليَّاته وتحمّله لما يترتّب عليها من أعباء جِسام؛ ومن هنا يصبح أمر السِّيادة متعلّق بنظام الحكم، وممارسة الدِّيمقراطيَّة بأسلوب شفَّاف، ومدى بسط السيّادة على تراب الوطن، وكيفيَّة تداول السُّلطة بين أفراد الشَّعب وجماعاته وتنظيماته الحيويَّة المحرّكة لعجلة التنمية والنّهوض، ومدى تقدير الغير لهذه السِّيادة من حيث احترام حدود الوطن وعدم التمدد على حساب حرّيَّة الشَّعب سواء أكان التمدد سياسيًا أم اقتصاديًا أم اجتماعيًّا، أم أخلاقيًّا أم ثقافيًّا.
ومن هنا كان الاهتمام في هذا المؤلَّف بتشخيص أحوال الإنسان الوطنيَّة قيميًّا وأخلاقيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا، وكيف يمكن له أن يكون مواطنًا فعَّالًا في وطنه، وكيف يمكن أن يكون مشاركًا منتجًا ومبدعًا، وكيف له أن يقبل بتحدّي الصِّعاب من أجل أن ينهض ويتقدّم ويبلغ مأموله ويفوز به.
ولذا فقد تمَّ التركيز في هذا المؤلَّف على مفهوم الإرادة ومدى أهميَّتها عندما تكون بيد المواطن الذي لا يمكن أن يكون سيِّدًا بدون أن يمتلك إرادته الحرَّة؛ وهي الإرادة التي بها يتمكّن من حمل المسئوليَّة تجاه كل ما يؤدّي به إلى ترسيخ سيادته مواطنًا حرًّا في بلاده.
وهكذا كان للضّرورة البحثيَّة أنْ لا يتم الاغفال عن أهميَّة الهويَّة الوطنيَّة وكيفيَّة ترسيخها وصونها؛ كونها الوجه الثَّاني لعملة السيِّادة التي بدونها يصبح المواطن نكرة، والوطن مجهولًا وكأنَّه لا يزيد عن كونه خيمة من شعر الماعز أو وبر الإبل وقد بنيت في الصّحراء، وأهلها على الفاقة والحاجة؛ حيث لا نهوض ولا إعمار.
أ د. عقيل حسين عقيل
طرابلس ليبيا
2024م
Comments (0)